السبت، 16 فبراير 2013

ونحن أيضاً نُحبُّ الحياة

أيمن شروف ـ المدن 

إنتقاد قوى "14 آذار"، أكثر بكثير من النقد الذي يوجّه إلى قوى الثامن منه. هذا ليس بالأمر الغريب، عادة، من يتعرض للنقد، هو من يقول إنه يحمل مشروعاً وطنياً. يرسم له خطة طريق، ويروّج لنفسه على أنه الوحيد القادر على أن يمسك يد اللبنانيين جميعاً، ويحملهم معه في رحلة العبور إلى الدولة. هكذا كان الحديث الجميل والشعارات الملوّنة بأحلام اللبنانيين، في مؤتمرات البريستول. 
 
النقد لا يُمكن أن يوجّه إلى "8 آذار"، هي يوماً لم تحاول أن تطرح مشروعا نهضوياً وطنياً. على الأرجح في العام 2007، سُرّبت الأخبار عن اجتماعات تعقدها هذه القوى لوضع مشروعها السياسي، ومحاكاة مستقبل البلاد، والمواطنين فيها. وتبيّن لاحقاً، أن لا اجتماعات ولا نيّات. واقع هذه القوى لا يسمح لها بأن تتعاطى مع جمهورها بهذا الإنفتاح، الإنفتاح بهذا الشكل، خطأ استراتيجي. 
 
غالباً ما اعتمدت الجماعات والأحزاب الشمولية، أو القائمة أساساً على فكرة الخوف والتخويف، على نمط مُملّ ومسيء، في التعاطي مع جمهورها. هذه الأحزاب أو التجمعات، كلّما فتحت آفاق الخروج من التقوقع أمام جمهورها كلّما خسرت. الجمهور يجب أن يبقى معبأ. التسيير، لا التخيير، هو الحلّ الأمثل للبقاء. 
 
من هنا كان النقاش دائماً، والنقد، فقط لفريق دون آخر. ومن هنا، فشل من يحمل الطروحات الكبيرة، أقسى من فشل ذلك الذي لم يُؤمن يوماً بتقديم تلك الأوراق التي تتحدث عن الدولة وبنائها. 
 
وبين هذين الخطين، وقعت الدولة، بمفهومها. لا بل أُوقعت، فأصبح الشعار على الجبهتين، فارغاً تماماً من كل ما له علاقة فعلاً، بشيء من ذاك الذي يبعث الاستقرار للفرد، ويجعله جزءاً من دولة، يكون فيها مواطناً، له فيها وعليه تجاهها. 
 
وتبعات الفشل، التي تُلصق بالفريق الذي حمل شعار الدولة، لا يُمكن وضعها في خانة حرب الفريق الآخر عليه، ولا يمكن على طريقة الهروب إلى الأمام، القول بأن ذاك الفريق لم يترك مجالاً لقوى 14 آذار بصفتها الفريق الساعي إلى الدولة، أن تُكمل مسيرتها، وتحقق الأهداف التي رسمتها لشعبنا. هذا التبرير، ليس بريئاً، ولا يُمكن رفعه كعذر، يسمح لمن يريد العبور إلى الدولة أن يتقاعس، أو أن يحوّل مشروعه إلى ضحية. وهذا الحاصل فعلياً مع 14 آذار اليوم. 
 
في أصل هذا الفشل ما هو أكبر من مواجهة فُرضت، منعت أصحاب شعار الدولة من المضي قدماً في تثبيت دعائم هذا المشروع. لقد سقطت قوى 14 آذار في الكثير من المحطات. سقوط أعطى لمن يخاصمها فرصة الانقضاض عليها، وحشرها، وإخراجها من الكادر الذي قالت إنها وضعته لنفسها. ومن يحمل مثل هذه المشاريع، لا يُمكن أن يكون في موقع ردات الفعل، وهذا بالضبط ما كانت عليه 14 آذار دائماً. 
 
أظهرت هذه القوى أنّها غير قادرة على استثمار التعدد الموجود فيها، وتحوّلت تدريجياً لكي تكون مجموعة من المنغلقين على أنفسهم، وأخرجت، وخرّجت من كنفها، مشاريع القيادات المنفعلة والسطحية، كما خرّجت مشاريع النوّاب ومريدي السلطة والكراسي. كان لها أن تكون على شاكلة خصمها، غايتها الوحيدة، محاربة الآخر، ورفضه. هي في الأصل أيضاً، في بداياتها، نزعت عباءتها عن أي مختلف عنها، أو أيٍّ ممن يقف أمام تسوياتها "السلطوية"، لا الوطنية. 
 
وهي، القوى الاستقلالية، سقطت مراراً حين استعادت تجارب أيام الوصاية، فحاصصت فيما بينها، من دون أن تكترث لأي ما له علاقة بحداثة ادّعت تمثيلها. وهي أيضاً، حين قالت بأنها قوى مدنية، لم تجرؤ على طرح مشروع مدني واحد، تغييراً للسائد أو كسراً لصنمية التفكير الموروث. وهي، القوى السيادية نفسها، أثبتت بالتجربة، أن لا قدرة لها أو لا نيّة على ابتداع سياسة من خارج المألوف المحبط.  
 
الفريق السلمي، أذى الدولة، مثله فعل الفريق اللاسلمي. كلٌّ على طريقته، حمل أحلام اللبنانيين، ولعب وتلاعب فيهم وفيها. طوّعهم أبداً، الأوّل قال لهم "أحبّ الحياة"، ولعب على عاطفتهم، لعلّه كان صادقاً بالشعار، لكنه أساء التطبيق وأساء لمن اندفع نحوه مؤمناً ومؤتمناً له على مستقبله. الثاني ردّ، "أحب الحياة بكل ألوانها"، شعار ليس فيه سوى السخرية من الأوّل، شعار بلون أو لونين، لا أكثر. 
 
كل هذا، والدولة تتآكل، في انتظار طائفة اللبنانيين التي تقول للإثنين معاً: ونحن أيضاً نحب الحياة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق