كل ما قاله سعد الحريري في
حلقة كلام الناس، في ميزان. ما قاله فقط عن الزواج المدني في ميزان آخر. الزعيم
السنّي، الذي لا يُفوّت فريضة من "أركان الإسلام الخمسة". لا يُمانع
"الزواج المدني" الذي كال له مفتي الجمهورية ما لم يكله بعدوٍ كإسرائيل،
على سبيل المثال.
جريء كان الحريري في كلامه،
وفي مقاربته لموضوع حساس وشائك. أكثر المتفائلين لم ينتظر منه هذا الموقف. ابن
رفيق الحريري الذي عارض "الزواج المدني" حين كان رئيساً للحكومة عهد
الياس الهراوي، ثار على والده أولاً، على دار الفتوى ثانياً، على ارتباطه بمملكة
تمنع النساء من القيادة ثالثاً، على واقع مُتطرف، لا يبدأ ببؤر البؤس في التبانة،
ولا ينتهي في خطاب أحمد الأسير، وملئه فراغاً تركه غياب الحريري المُستمر.
الرجل الذي "لا يقبل
بأن يزوج ولديه مدنياً"، لا يقف بوجه لبنانيين يختارون بملء إرادتهم، أن
يكونوا خارج عباءات الطوائف، طوائف لا يكفيها عبثها بحياتنا جميعاً. طوائف ستخرج
اليوم وغداً، لتنال من سعد الحريري. حينها، كُثر سيتحولون بسحر ساحر، إلى أئمة
ومشايخ، لا يُدنس إيمانهم، موقف رجل، اختار أن يكون مع شابات وشبان لبنان، لأنه
واحداً منهم..
في هذا البلد، يبدو من
المستحيل، أو بالأحرى، ممنوع على زعيم سياسيّ أن يُغرّد بعيداً عن بيت الطاعة
الطائفي. فعلها الحريري بالأمس، وهو يُدرك سلفاً ما ينتظره. ويُدرك أيضاً أن مدنية
تياره لن تشفع له. لكنّه فعلها. كل ما تبقى تفاصيل لا تُقدم ولا تؤخّر، وكل من
يقول أنّه خطى هذه الخطوة في سياق حربه على المفتي وعلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي
هو كمن يقول أن الحريري ذهب إلى الانتحار برجليه. مُمكن أن يكون قد فعل، ولكن من
غير المُمكن أن تكون فعلته تحدياً.
مُملّ هذا البلد، ومضجرون
نحن. في القرن الواحد والعشرين، نُهلّل لموقف مؤيد لحرية فرد في اختيار مستقبله..
لعلّها لعنة التعدد الذي نتغنى به، أو لعلّها لعنة جهلنا وتخلّفنا، جميعاً.
أمّا سعد الحريري، المؤمن بالربيع
العربي، وما يستتبعه هذا الإيمان من تمسّك بقيم الإنسان، فهو بالتأكيد، سمع مآذن
جوامع بيروت، تصدح في باريس، لتكيل له ما طاب لملتقط مذياعها من تكفير.. وشتائم. هي
في الميزان الوطني والإنساني، إشادة.
يبقى، على من يقومون بحملة
"تزوجنا مدني.. وع قبالكن"، أن يحشروا الحريري وغيره، سريعاً، كي
يكسبوا ولو مرّة، أجرهم في الخروج الطوعي
عن ظلامية الطاعة وبيوتاتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق