أيمن شروف
كلمة واحدة تختصر كل ما قاله سمير جعجع في احتفال إطلاق الانتساب إلى حزبه. جملة صغيرة، بسيطة، حروفها مركبة بعناية، بوضوح. بساطة تخفي واقعا أكبر بكثير. "نحن أولاد ثورة الأرز، ولكن هذا لا يعني أبداً أن نلغي أنفسنا من الجغرافيا، ونغرّد خارج قضايا المجتمع".
قاسٍ هذا الكلام. يوّرط أكثر. لا يمكن أن يخدم جعجع في معركة خروجه من القانون الأرثوذكسي، إن كان يريد الخروج. وهو، كلام، لا يمكن ربطه بمشروع 14 آذار. هذه القوى، تقول بالدولة. ما هي الجغرافيا هنا. ماذا يعني عدم إمكانية إلغاء النفس من الجغرافيا؟ وهو، أي الكلام، على بساطته، وبساطة من صفّق لبعضه، خطير، وليس كلاماً حكيماً، يخرج من حكيم.
الجغرافيا، كانت بالأمس، بالنسبة للرجل واضحة. في أحد خطاباته، خرج على الجمع ليقول، نحو المواجهة، السلمية، البحر من أمامنا والعدو من ورائنا. كان عدوّه معروف. اليوم، أين هو العدو؟ حسابات الجغرافيا تعني الدخول في تفصيل المجتمع وتقسيمه، ليس أكثر. القيادة، تأخذ المجتمع إليها، لا تذهب هي إليه. القيادة، كما نعرف نحن، من نرضى لأنفسنا بقعة تُشبه وطناً، لا يمكن لها أن تذهب إلى رأي عام، مرّة جديدة، يوكل إليه فعل الانغلاق، وباسمه تُعاد البلاد إلى زمن مضى.
لم يضع أحد سمير جعجع في موقع الدفاع عن النفس، وهو الذي كان في حقبة مضت، من يدافع عن الجميع، عن حلفائه تحديداً. ليس من أحد، لا من حلفائه ولا من خصومه. هو ذهب إلى الموقع بقدميه. مع الأسف. كان بالإمكان، أفضل مما كان. كان بالإمكان، الاستغناء عن حشر فؤاد السنيورة وغزوة الأشرفية والجمعة العظيمة وحقوق المسيحيين، لولا هذا القانون الطائفي بامتياز. في لحظات الحقيقة الكبرى، لا مكان للمقاربات الآنية. كان بالإمكان، أفضل بكثير ممّا كان.
وإلى تأييد الربيع العربي درّ، وفصول غزة ومواسم النازحين السوريين. أيضاً، التبرير. لا شكّ بتأييد الرجل للربيع العربي، ولكن، الجمع بين التأييد وبين قوانين الفصل العنصري والطائفي لا تستقيم. الجمع بين حرية الشعوب وحرية الطوائف، غير منطقية. للطوائف حقوقها، الدولة وحدها تؤمنها. تلك الدولة التي كان بالإمكان العبور إليها. ليس اليوم من فعل ممكن، فلا إمكانية لدولة تأتي من صناديق ـ متاريس.
في اللحظة التي يمكن الحديث فيها عن ربيع عربي، يكون الزمان للارتقاء فوق الجغرافيا. وفي اللحظة التي يُمكن الحديث فيها عن شراكة، يُصبح ضرب المثل، بمقعد نيابي في الأشرفية، سيّء. كان بالإمكان، تفاديه.
صحيح أنّ 14 آذار كان عليها الإلتفات إلى أوجاع اللبنانيين، لكنها لم تفعل. لا بقانون انتخاب ولا بغيره. أمّا الاستثناء، استثناء بعض اللبنانيين، هو عودة إلى الجغرافيا مرّة جديدة. والقول بقانون انتخاب جديد من دون أن نوقظ شياطين قديمة، ماذا يعني؟. الشياطين، أيقظها قانون الانتصار، وإن "رُفضت أجواؤه".
وللحديث أكثر، وبصراحة أكبر، وبنقاش عقلاني. غابت السياسة عن معراب. في الاحتفال الحزبي، لإطلاق الإنتساب، كان بغنى عن أحاديث القوانين المملّة. الاحتفال، كان لاستقبال الكوادر، لكودرتهم في الإطار الحزبي. الحزب المسيحي، حين يفتح الباب لاستقبال المسيحيين والمسلمين في صفوفه، لا يُمكن له أن يكون مع مشروع كقانون الأرثوذكسي. الخروج من الجغرافيا، لا تكون ببطاقة انتساب.. للجميع.
باختصار، أعطى جعجع في السنوات السبع الماضية، إشارات لم يعطها أي زعيم سياسي عاش الحرب الأهلية وكان جزءاً منها. في احتفال مضى، خرج ليعتذر عن كل الماضي. وحده كان من بين الجميع من امتلك جرأة الاعتذار. كان بالإمكان ترك الجغرافيا، كي لا تذهب جرأة الاعتذار.

