أيمن شروف ـ المدن
تجربة المرأة في عالم السياسة اللبنانية، مختلفة عن كل ما حولها في بلدان قريبة أو بعيدة. في لبنان، النساء دائماً ملحقات بالرجال. واقع الحال يشي، أو يؤكد أن لا تجربة سياسية، في شكلها اللبناني التقليدي، للمرأة يُمكن أن يعوّل عليها، أو يُمكن أن تؤسس لحالة جديدة، تخرج من القديم الموروث، لتبني للمستقبل، ما يُشبه وطناً.
أما في النضال، فكان للمرأة دورها، كما هو الحال في دول الربيع العربي اليوم. لا بل إن مناضلات لبنان، ذهبن أبعد بكثير. في زمن سابق خرجن للقتال بوجه الاحتلال. وفي زمن قريب، خرجن في معارك السيادة والحرية. وفي زمن حالي، يخرجن لحقوقهن في جنسية أطفالهن، في مواطنية مسلوب نصفها، في مُجتمع يقول إنه ديموقراطي، فيما هو يوغل في ذكوريته، أكثر فأكثر.
بالعودة إلى السياسة، لم تُقدم المرأة ذلك النموذج الذي يُمكن أن يصل إلى درجة مقبول، ليس أكثر. غالبية التجارب التي خاضتها، أتت وكأنها من خارج المألوف. نساء كثيرات دخلن عالم السياسة، صدفة. صدفة من قبيل أن أزواجهن عاشوا السياسة بتفاصيلها، رحلوا فجأة، فوجدن أنهنّ أمام وراثة من نوع آخر، أغرتهن التجربة، أو قررن الحفاظ على إرث أزواجهن أو آبائهن.
الأمثلة على هذا الواقع كثيرة، ومُحبطة. جيلبرت زوين ماذا تفعل في مجلس النواب باسم النساء، لولا أنها سليلة عائلة كسروانية عريقة؟ تلك التي دخلت إلى ندوة برلمانية لتتواصل مع زملائها في المجلس باليوغا، ومع الناس بابتسامة تلتقطها عدسات الكاميرات في اجتماع تكتل الرابية، حين تجلس زوين، وترمي نظرات الإعجاب في أحضان زعيم إصلاحي، يضمن لها عودة ميمونة إلى ممارسة اليوغا.
والحال شبيه مع نايلة تويني، نجلة الشهيد جبران تويني. دخلت عالم السياسة وريثة لوالدها، واختفت. هكذا بلمح البصر، لم تحاول حتى الاستفادة من إرث جبران، ولا من إرث جدها، مؤسس جريدة النهار والديبلوماسي والسياسي الذي ترك بصمة في الحياة السياسية اللبنانية قبل أن يرحل عنها، مؤخراً. دخلت نايلة إلى البرلمان، عن دائرة الأشرفية، فخرجت إلى دائرة الحياة الزوجية، غير مُكترثة بمُستقبل كانت لتصنعه، ولها في ذلك أرضية خصبة. أغراها الكرسي، ولم تغرها التجربة.
والأمثلة، على كثرتها، لا تُسقط من الحساب نجاح تجارب، هي أيضاً وليدة واقع سياسي أو عائلي، وليست بأي حال نتيجة لتجربة فردية، أو قناعات شخصية، يسعين إلى تحويلها لمشروع نضال سياسي يُفضي في نهاية المطاف إلى تأسيس حالة فريدة من حولهن، تكون بديلاً عن السائد المُحبط. وكنّ، في ممارستهن للسياسة، نسخة عن بيوتات السياسة الآتيات من خلف جدرانها. انغمسن دائماً، في تمجيد الموجود، ولم، تحاول، أي منهن، الانتفاض على ما حولها، أو خلق مساحة لسياسة جديدة.
الكارثة اليوم، لا تأتي فقط من هذا القديم الموجود، والطامح للبقاء. الكارثة بالبدائل، أو من يطرحن أنفسهن ليكنّ البديلات. ميريام كلينك، ناتالي فضل الله، لارا كاي. أسماء، أكثر ما فيها إغراؤها. أسماء أجساد، ليس أكثر، يردن أن يوصلن الصوت، صوتهنّ. يحملن مشاريع على قياس رداءة أصواتهن، أو على قياس، استثماراتهن بالأجساد.
هذا الثلاثي المُضحك، لا يُعبر إطلاقاً عن المرأة اللبنانية، ويومها العالمي يُصادف الجمعة. هذا الثلاثي، أكثر ما فيه أنه وليد فشل الطبقة السياسية، بذكورها، وإناثها على قلّتهن. ثلاثي، يُسطح كل شيء، وليس بغريب أن يصل إلى ما يريد. قد نشاهد ميريام كلينك في مجلس النواب، وناتالي فضل الله في الحكومة. من هو موجود اليوم، ليس أفضل. هذا الموجود، هو الدافع الأوّل، لمزيد من الانحطاط، على الصعد كافة.