الجمعة، 8 مارس 2013

ميريام كلينك السياسة

أيمن شروف ـ المدن 

تجربة المرأة في عالم السياسة اللبنانية، مختلفة عن كل ما حولها في بلدان قريبة أو بعيدة. في لبنان، النساء دائماً ملحقات بالرجال. واقع الحال يشي، أو يؤكد أن لا تجربة سياسية، في شكلها اللبناني التقليدي، للمرأة يُمكن أن يعوّل عليها، أو يُمكن أن تؤسس لحالة جديدة، تخرج من القديم الموروث، لتبني للمستقبل، ما يُشبه وطناً. 

أما في النضال، فكان للمرأة دورها، كما هو الحال في دول الربيع العربي اليوم. لا بل إن مناضلات لبنان، ذهبن أبعد بكثير. في زمن سابق خرجن للقتال بوجه الاحتلال. وفي زمن قريب، خرجن في معارك السيادة والحرية. وفي زمن حالي، يخرجن لحقوقهن في جنسية أطفالهن، في مواطنية مسلوب نصفها، في مُجتمع يقول إنه ديموقراطي، فيما هو يوغل في ذكوريته، أكثر فأكثر. 
 
بالعودة إلى السياسة، لم تُقدم المرأة ذلك النموذج الذي يُمكن أن يصل إلى درجة مقبول، ليس أكثر. غالبية التجارب التي خاضتها، أتت وكأنها من خارج المألوف. نساء كثيرات دخلن عالم السياسة، صدفة. صدفة من قبيل أن أزواجهن عاشوا السياسة بتفاصيلها، رحلوا فجأة، فوجدن أنهنّ أمام وراثة من نوع آخر، أغرتهن التجربة، أو قررن الحفاظ على إرث أزواجهن أو آبائهن. 
 
الأمثلة على هذا الواقع كثيرة، ومُحبطة. جيلبرت زوين ماذا تفعل في مجلس النواب باسم النساء، لولا أنها سليلة عائلة كسروانية عريقة؟ تلك التي دخلت إلى ندوة برلمانية لتتواصل مع زملائها في المجلس باليوغا، ومع الناس بابتسامة تلتقطها عدسات الكاميرات في اجتماع تكتل الرابية، حين تجلس زوين، وترمي نظرات الإعجاب في أحضان زعيم إصلاحي، يضمن لها عودة ميمونة إلى ممارسة اليوغا. 
 
والحال شبيه مع نايلة تويني، نجلة الشهيد جبران تويني. دخلت عالم السياسة وريثة لوالدها، واختفت. هكذا بلمح البصر، لم تحاول حتى الاستفادة من إرث جبران، ولا من إرث جدها، مؤسس جريدة النهار والديبلوماسي والسياسي الذي ترك بصمة في الحياة السياسية اللبنانية قبل أن يرحل عنها، مؤخراً. دخلت نايلة إلى البرلمان، عن دائرة الأشرفية، فخرجت إلى دائرة الحياة الزوجية، غير مُكترثة بمُستقبل كانت لتصنعه، ولها في ذلك أرضية خصبة. أغراها الكرسي، ولم تغرها التجربة. 
 
والأمثلة، على كثرتها، لا تُسقط من الحساب نجاح تجارب، هي أيضاً وليدة واقع سياسي أو عائلي، وليست بأي حال نتيجة لتجربة فردية، أو قناعات شخصية، يسعين إلى تحويلها لمشروع نضال سياسي يُفضي في  نهاية المطاف إلى تأسيس حالة فريدة من حولهن، تكون بديلاً عن السائد المُحبط. وكنّ، في ممارستهن للسياسة، نسخة عن بيوتات السياسة الآتيات من خلف جدرانها. انغمسن دائماً، في تمجيد الموجود، ولم، تحاول، أي منهن، الانتفاض على ما حولها، أو خلق مساحة لسياسة جديدة. 
 
الكارثة اليوم، لا تأتي فقط من هذا القديم الموجود، والطامح للبقاء. الكارثة بالبدائل، أو من يطرحن أنفسهن ليكنّ البديلات. ميريام كلينك، ناتالي فضل الله، لارا كاي. أسماء، أكثر ما فيها إغراؤها. أسماء أجساد، ليس أكثر، يردن أن يوصلن الصوت، صوتهنّ. يحملن مشاريع على قياس رداءة أصواتهن، أو على قياس، استثماراتهن بالأجساد. 
 
هذا الثلاثي المُضحك، لا يُعبر إطلاقاً عن المرأة اللبنانية، ويومها العالمي يُصادف الجمعة. هذا الثلاثي، أكثر ما فيه أنه وليد فشل الطبقة السياسية، بذكورها، وإناثها على قلّتهن. ثلاثي، يُسطح كل شيء، وليس بغريب أن يصل إلى ما يريد. قد نشاهد ميريام كلينك في مجلس النواب، وناتالي فضل الله في الحكومة. من هو موجود اليوم، ليس أفضل. هذا الموجود، هو الدافع الأوّل، لمزيد من الانحطاط، على الصعد كافة. 

الأربعاء، 6 مارس 2013

لا عقلاء بيننا



أيمن شروف
العقلاء. هذا ما تبحث عنه الطبقة السياسية. الأصح، هذا ما تقوله لنا هذه الطبقة في معرض دفاعها عن دورها في تأجيج النار اللبنانية الملتهبة، أينما كان. في كل بيت، في كل شارع وحي، في كل منطقة. بين الفينة والأخرة، حديث عن الفتنة، يخرج من الجميع. والفتنة كما يقولون: شرّاً مُطلقاً، لعن الله من أيقظها. المهم، أن البحث عن العقلاء، يستمرّ، ويستمرّ. 
 
الكلام عن خطر مقبل على لبنان، أخذ في الأيام القليلة الماضية منحى تصاعدياً لم يكن موجوداً في السابق. منه ما هو مُرتبط بحمى الأزمة السورية، ومنه ما هو مرتبط بالشارع اللبناني، الخارج عن كل سيطرة. حتى صارت القوى الأمنية والعسكرية على اختلافها، تشكو همّها علانية، وهذا أمر، في أي بلد طبيعي غير لبنان، لا يمكن أن يمرّ هكذا. عادة الأمن يقمع من يُخلّ به، الأمن لا يُمكن له أن يشتكي حاله المأساوية إلى الناس. فقط في لبنان، هذا العرف، كان وسيبقى، طالما هذا الأمن، مرتبط دائماً بالقرار السياسي. أمّا القرار السياسي فهذا شي آخر وبحث آخر. 
 
المضي في البحث عن العقلاء، ماذا يعني في عرف الإبداع اللبناني؟ شعار، فيه من التضليل، ما في عقولنا من قلّة ثقة بمن يقول بالبحث، ويسعى إليه. حين يصل الإنفجار إلى مرحلته الأخيرة، يرتفع منسوب البحث هذا، وتتحوّل المنابر إلى ما يُشبه مُحرك البحث "Google". كلّ يعتليه، ليستخدمه في رحلة إسقاط أي صلة له في التفجير المُقبل إلينا، بصمت وسرعة. 
 
بؤسنا، يجعل غالبية منّا يُصدّق. فعل الغالبية، يُلصق بالرأي العام المُنقسم أصلاً بين طرفي النزاع اللبناني الداخلي. مهما كانت تلك الفئة الثالثة كبيرة، الفئة التي ترفض الإنقسام، فهي تبقى خارج الحسابات، طالما هي قررت أن تكون غالبية صامتة، لا يسمعها من هم فوق، لأنّها لا تريد أن توصل صوتها. لعلّها سئمت المحاولة، واستسلمت، لأنّها أخيراً أو مؤخراً أو باكراً، اكتشفت أن لا وجود للعقلاء، وكل من يبحث عنهم، هو واحد من الذين إمّا يهربون من واقعهم، أو ممن يُبررون ما هم ذاهبون إليه، برضى وتسليم. 
 
عودة إلى العقلاء، ومن يبحث عنهم. بكلام أوضح، يُمكن القول أن جميعنا يعلم بأن لا وجود لهؤلاء. لا وجود للعقلاء طبعاً، أما من يبحث عنهم، فهم السبب الرئيسي في تغييبهم. من يقول أنّه يبحث عن العقلاء لدى الطائفة السنية، نسي أو تناسى، أنّه ساهم من حيث يدري في تغييب صوت العقل فيها. نسي أنّه لسنوات، جعل منها، هدفاً.

منذ سنوات وإلى اليوم، كان "حزب الله" جزءاً من شعور الإحباط السنّي، ومغذياً له. مشروع الاعتدال الذي حاربه الحزب، انكفأ، ليظهر من يستنهض الشعور المذهبي، بالضبط كما فعل الحزب في قلب الطائفة الشيعية، حين ألغى كل اختلاف فيها، وسيّرها كما يريد، وبالشعارات نفسها التي يطرحها أحمد الأسير ومن هم على شاكلته، مع الطائفة السنية اليوم. 
 
وهذا الواقع، لا ينفي دور المعتدلين لدى السُنّة في عزل أنفسهم. فهُم، حين غابوا، لأسباب تتخطى حرب الآخرين عليهم، أوجدوا لهذا التطرف، أرضية خصبة. "تيار المستقبل"، فشل في الكثير من المرّات في إدارة لعبته السياسية. هو نفسه، قدم لخصمه الخدمات الكثيرة، حين اعتقد أنّ السياسة ردة فعل، وأنّ المجتمع الدولي، لا شاغل له سوى هذه البقعة الصغيرة في شرقنا المترنح دائماً. وهو نفسه، من ترك للمتطرفين أن يملأوا غيابه، وتردد مراراً في الحزم ضدهم، خوفاً أو قصداً للاستخدام. تأخر إلى وقت صار فيه الحزم بالمواقف، مجرّد موقف لحظوي، لا يُقدم ولا يؤخر في واقع الشارع وما آل إليه. 
 
وفي طور البحث عن العقلاء أنفسهم، يأتي مشهد مجلس النواب حين اقترعت غالبية من هم فيه، لمصلحة قانون المذاهب تنتخب ممثليها. مشهد كافٍ، للرد على كل من يبحث، أو يدعي البحث. ولا حاجة للغرق في تفاصيل معنى هذه الرسالة، وما تُقدمه من مشهد سوداوي. 

إدعاء البحث عن العقلاء، ليس سوى هروب من مسؤولية ما نحن ذاهبون إليه. تباعاً، ستلبس الطبقة السياسية "كفوف" العفّة، وتتوجه إلى من قمعتهم وألغتهم، أو ستذهب من جديد للبحث عن عقلاء جدد، وجودهم افتراضي، كافٍ لأن يُعلن باسمهم فشل لغة العقل والتحوّل إلى لغة أخرى.