أيمن شروف
تجمعات وليست مخيّمات. هكذا قررت الدولة اللبنانية تسمية أماكن إغاثة اللاجئين السوريين. كلمة مخيّمات تمرّ ثقيلة على اللبنانيين، برأيهم العام وطبقتهم السياسية. غالبية هؤلاء، تحيلهم الكلمة إلى عين الحلوة ونهر البارد وبرج البراجنة وصبرا وشاتيلا وغيرها من مخيمات الشتات الفلسطيني. إحالة تقودهم إلى خوف على مستقبلهم، فاللاجئ بهويّته الطائفية مُخيف. يحمل معه تغييراً ديموغرافياً يُرهب أقليّات هذه البلاد، التي لم تخرج، وعلى الأرجح لن تخرج من خوفها التاريخي.
السوريون اليوم، كفلسطينيي الأمس. هكذا يُنظر إليهم. أكثر من سنة ونصف أخذت القوى السياسية مجتمعة، كي تقول أن واجبها إغاثة أولئك الهاربين من مستنقع الدماء الممتد فوق الأرض السورية. خلاصة لم تأت لأن "الحكومة اللبنانية بتلويناتها المختلفة مع حقوق الإنسان، بل كانت نتيجة حتمية لتقصير فاضح، ساهم في ظهوره علانية، حملات عنصرية فتحها البعض لأغراض أبعد ما تكون عن فكرة رضوخ الدولة لقانون جنيف.
السوريون اليوم، كفلسطينيي الأمس. هكذا يُنظر إليهم. أكثر من سنة ونصف أخذت القوى السياسية مجتمعة، كي تقول أن واجبها إغاثة أولئك الهاربين من مستنقع الدماء الممتد فوق الأرض السورية. خلاصة لم تأت لأن "الحكومة اللبنانية بتلويناتها المختلفة مع حقوق الإنسان، بل كانت نتيجة حتمية لتقصير فاضح، ساهم في ظهوره علانية، حملات عنصرية فتحها البعض لأغراض أبعد ما تكون عن فكرة رضوخ الدولة لقانون جنيف.
بين سياسة النأي المزعوم والطاعة المفروضة، غرق النازح إلى لبنان في وحول الرجعية اللبنانية. افترش طرقات، مدارس، حقول. بحث عمّا يبقيه صامداً هنا، كي يعود إلى هناك. لم يجد، سوى مبادرات فردية، من ناشطين ينتمون إلى جيل القهر اللبناني، ومساعٍ حزبية من قلّة شعرت بالمسؤولية الإنسانية، عن مظلوميّة مُستعادة بحق شعب بأكمله.
لم ير وزير السياحة اللبناني باعة الورد في شوارع بيروت. لم ير أبناء حمص ودمشق ودرعا في عراء البقاع، في خيم الصقيع، في حرب الطبيعة ضدهم. كل ما يريده، طبقة ارستقراطية أتت سائحة، تعوّض ما فات على لبنان من مواسم اصطيافية خطفتها دولة عاجزة عن حماية درّاجين استونيين عبروا شاطئاً، فوجدوا جبلاً. أيضاً، لم ير وزير الطاقة والمياه في رحلة النزوح السورية إلّا ذريعة لاستعادة مجد مسيحي ضائع، في بلد تحوّل فيه الضوء إلى مناسبة، إلى عيد، تُقام له الصلاة في كلّ دار.
كذا مع كل طرف في الحكومة العتيدة رواية، كشفتها الثورة السورية. النازحون تحديداً. خرج الحزب الذي أرسل مئات الآلاف من اللبنانيين الجنوبيين إلى أحياء حمص وحلب ودمشق في حرب تموز بحثاً عن ملجأ آمن، إلى ساحة جهاده. لا للمخيمات، قالها ورددت خلفه جوقة الأحزاب التابعة والمستتبعة لنظام الوالي الدمشقي. اللاجئون خطر لابد من مواجهته، شعار كان قبل أكثر من سنة ونصف. شعار رضخت له القوى التي جاهرت أنها مع الثورة، فانكبت وجوهها على الشاشات، المطلوب واحد: إسقاط إشاعة ـ خطيئة تبنّيهم إقامة مخيّمات اللاجئين في عكار وفي البقاع الشمالي.
مضت الأيّام، رُفعت التقارير إلى الحكومة، حصراً من وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور. هذه المرّة ليست كسابقاتها. لم يجد وزير الحزب القومي ووزير "المردة" ذريعة لرفض تحويل الأموال للهيئة العليا للإغاثة كما حصل من قبل. غيرهما لم يعترض كثيراً، فقط يريدون أن يطمئنّوا أن لا تغيير بالديموغرافيا. الانتخابات في موعدها وبالقانون الذي يؤمّن الوصول الميمون إلى تجديد طبقة الجليد السياسية.
النازحون السوريون إلى لبنان، يعيشون. يتنفسون. مساعدات "إمبريالية" ترضى بها قوى الممانعة، كي تُخفف عن نفسها حمل المشاركة في تأمين حياة من رفض الموت في دولة القائد الخالد. نازحون نزحت بهم الدولة اللبنانية أخيراً إلى المشاع العربي، كي تُشارك أخوانها حملها الثقيل. في النهاية، المشاع العربي الإنساني لن يكون كالمشاع الأممي. هذا العربي يدرّ المال، ذاك الأممي يدرّ المساعدات، والخوف من كشف سيادة دولة لا وجود لها.
نزح السوريون إلى لبنان، فانكشف ما يُضاف إلى واقع موت دولتنا الرحيم. نزف إنساني، يمرُّ على طبقة سياسية بأسرها، مرور الطيور المهاجرة في محطتها اللبنانية، حينما يخرج صيادو الفرص.. للصيد المذهبي والسياسي، صيد يتقنونه جيداً، وبالوراثة.